لماذا لا نرى للقرآن سياقا موحدا في موضوع واحد؟ وما هي حقيقة الحروف المقطعة في القرآن وهل يحتاج الله لهذه الطلاسم والألغاز؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم الى يوم الدين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا الجليل ياسر الحبيب

في البداية احب ان اشكركم على محاضراتكم الاخيرة الرائعة التي هي بحق قليلة في مكتبات الشيعة، الشيعة المذهب المظلوم والمضطهد من قِبَل كل من اراد تجربة حد لسانه وسيفه.

شيخنا الكريم

احببت أن اوجه لك عدة أسألة اود ان تجيبني عنها بحيادية بغض النظر عن كونك موال لأهل البيت، لأني اريد ان اجيب بها من لايعتقد بالإسلام.

أولا: ما سبب عدم وجود سياق موحد في القرآن الكريم، فتجد عند قرائتك للقرآن، هناك عدة مواضيع تطرح في سورة واحدة، وتجد بعض تلك السياقات، (ظاهرها) لاتمت بالموضوع الذي قبله بصلة، وما سبب تكرار بعض القصص والآيات ايضاً، كتكرار قصة النبي موسى عليه السلام، في سور مختلفة؟؟؟

ثانيا: ما هي الحروف المقطعة في القرآن الكريم، وما معناها، ولماذا لاتوجد هناك توضيحات حول هذه الحروف من قِبَل الرسول والأئمة الأطهار؟.

إن بعض المسيحيين يسألون عن هذه الحروف، ويقولون: هل يحتاج الله لطلاسم وألغاز لحوار عباده؟.

اشكركم جزيل الشكر

ولايسعني إلا الدعاء لكم بالموفقية والنجاح

اخوكم في حب امير المؤمنين ابو تراب

فائز الجبوري


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. لا شكر على واجب ونسأل الله تعالى القبول منا ومنكم.

ج1: إن هذا وجه من وجوه الإعجاز القرآني، فإن من أصعب الصعوبات نظم الكلام المختلف في موضوعه، المتنوع في سياقه، المتغاير لفظه، المتعدد حرفه، في مقال واحد أو كتاب واحد، فكيف بنظمه في فقرة واحدة، أو عبارة واحدة كما صنع الله تبارك وتعالى في آياته؟!

ثم إن هذا النظم، ما هو بشعر ولا نثر! بل هو جنس غريب استثنائي من صنوف الكلام، لا تجده إلا في القرآن. ومع ما فيه من اختلاف وتغاير وتعدّد وتكرار، تجده أحيانا في آية واحدة مطوّلة، لا سورة واحدة فحسب؛ مع هذا فإنك بعد قراءته ترتسم في ذهنك مفاهيم ومعلومات محدّدة على شكل زخّات متدفقة، فتنتابك الدهشة من وصولها إلى ذهنك بهذه الكيفية غير المتجانسة والمتجانسة في آن واحد! والمسبوكة بسبك بديع واحد! ثم تنتابك دهشة أعظم حينما تقرأها في موضع آخر، فتظن أنها تكرار، فإذا بها تفتح لك أفقا جديدا في الموضوع نفسه من زاوية أخرى، فتكتشف أنك حين قرأت سابقتها لم تكن بالذي يعرف إلا النزر اليسير.

لهذا تجد أن أعظم الأدباء لو صاغ لك قصة ما، ثم جاء أديب آخر وصاغ لك القصة ذاتها بأسلوب آخر مختلف كليا، فإنك بمجرّد ما تقرأ السطور الأولى منها تعزف عنها، إذ ستلاحظ أنها مكرّرة، وأنك تعرف موضوعها، فتملّ من قراءتها، ولو كانت بأسلوب آخر غاية في البلاغة والفصاحة. أما في القرآن؛ فإنك تقرأ قصة نوح أو موسى (عليهما السلام) في أكثر من موضع، وبأساليب مختلفة، لكنك لا تملّ ولا ينتابك الضجر ولا تجد بدا من إتمام القراءة حتى النهاية!

ولو وقع في يدك نثر لأعظم الأدباء، لكنك وجدته مشتملا على عشرات المواضيع غير المترابطة، فإنك ترميه مسترخصا إياه وتشبّهه في نفسك بخليط غير متجانس لا رابطة بين أفراده. أما في القرآن؛ فإنك تجد نفسك أسيرا لآيات تنقلك من موضوع لآخر، ومن مضمون لآخر، ومع ذا فأنت بهذا الأسر ملتذ! وبه مأنوس!

وأنت إذا قرأت أروع مقطوعة شعرية أكثر من عشر مرات؛ فإن نفسك تأنف أن تستمر في قراءتها وترديدها، فتصبح عندك وعند سائر الناس مدروسة لا تُذكر إلا حين ورود ما يستدعي الاستشهاد بها من حوادث العصر. أما القرآن؛ فرغم أن أجيالا وأجيالا، بألوف ألوف الملايين، يقرأونه ليل نهار، ويعيدونه ويردّدونه، ويدرسونه ويتعلمونه، إلا أنه لا يندرس ولا يخبو نجمه ولا يقلّ توهّجه! بل كلّما قُرئ ودُرس تراه يتجدّد! فلا أحد يدّعي أنه قد فرغ منه!

فهذا هو الإعجاز القرآني المبهر العجيب، فسبحان الله الذي أبدعه.

ج2: هذه الحروف هي من الأسرار الغيبية التي خصّ الله تعالى بها أولياءه عليهم السلام، فهم الذين يعرفون معانيها، وقد كشفوا لنا بعضا من معانيها، لا كما توهّمتم من أنهم لم يفعلوا، فقد روى الشيخ الصدوق عن مولانا صاحب الأمر (صلوات الله عليه) في جواب عدّة مسائل لسعد بن عبد الله القمي وكان من بينها تأويل (كهيعص) قوله عليه السلام: "هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريا عليه السلام، ثم قصّها على محمد صلى الله عليه وآله، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سُرِّي عنه همّه، وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة! فقال ذات يوم: يا إلهي.. ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليّت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟! فأنبأه الله تعالى عن قصته، وقال: (كهيعص) فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطشه، والصاد صبره.

فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكانت ندبته: "إلهي.. أتُفجع خير خلقك بولده! إلهي.. أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه! إلهي.. أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة! إلهي.. أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما"! ثم كان يقول: "اللهم ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر، واجعله وارثا وصيا، واجعل محله مني محل الحسين، إفذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثم فجّعني به كما تُفجع حبيبك محمدا حبيبك بولده" فرزقه الله بيحيى، وفجعه به، وكان حمل يحيى عليه السلام ستة أشهر، وحمل الحسين عليه السلام كذلك". (كمال الدين ص461).

هذا وليس ورود هذه الرموز الخاصة في القرآن الحكيم يعني أن الله محتاج إلى طلاسم وألغاز لحوار عباده كما يدّعي النصارى الجهلة! فإن القرآن في ما عداها واضح للمتدبّرين، كافٍ في إيصال الرسالة الإلهية إلى البشر. إلا أن وجود هذه الرموز بمثابة إشارة إلى أن على البشر أن يرجعوا إلى أعدال القرآن، وهم آل محمد (صلوات الله عليهم) حتى يفسّروها لهم، فتكون تلك الرموز مؤكدة على أن أحدا لن يستطيع تفسيرها سواهم، وهو ما يؤكد ولايتهم ووجوب طاعتهم، فغيرهم جميعا عاجزون عن ذلك. هذا ولهذه الرموز أسرار غيبية كثيرة أخرى.

وفقكم الله لما يحب ويرضى. والسلام.

11 من شوال لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp